مترو حلب
تأليف
مها حسن
ما إن تقدمت حاملة الثوب حتى احتضنتني أمي بقوّة وقد دبّت فيها الحياة، وتخيّلتها تتحول إلى يعقوب والد النبي يوسف عليه السلام، حين اشتمّ رائحة ابنه، فعاد إليه بصره. استعادت أمي قواها الجسدية، لكنها فقدت تقريباً قواها العقلية، إذ صرخت بسعادة وهي تنهض لوحدها، من دون مساعدة الممرضة المقيمة معها: سأتوضأ وأصلّي شكراً لله على عودتكِ وتحقيق آخر رغبة لي قبل رحيلي: أن أراكِ. صلّت أمي ثم عادت تعانقني وتبكي من الفرح: أمينة، أمينة، الحمد لله أنني لم أمت قبل لقائك.
ظنّت أمي أنني أنتِ. كانت رائحة وجودك طاغية، فمحتني. بكت أمي من السعادة، وراحت تهذي:عبد العزيز... لقد جاءت أمينة. أنا سعيدة لأنني في الطريق إليك. سامحني لأنني استمتعت باحتضانها قبل موتي، بينما رحلت أنت محروماً من رؤيتها...
الراويات
تأليف
مها حسن
روائية سورية مقيمة في فرنسا منذ سنة 2004، صدرت لها ست روايات، الأولى ( اللامتناهي ـ سيرة الآخر) سنة 1995 في سوريا. وصلت روايتها (حبل سري) الصادرة عن دار رياض الريّس في لبنان إلى اللائحة الطويلة لجائزة بوكر للرواية العربية. تُرجمت فصول من رواياتها إلى الفرنسية والانجليزية.
عدت ثلاثين سنة إلى الوراء. وعلى أنغام العود جلست مكان الحكواتية، ورويت قصة بدت غريبة لغيري، وأنا أحكي عن البنت أنييس، التي يرميها والدها في كل يوم في الغابة البعيدة، وتُمضي ليلتها، باحثة عن طريق البيت، وفي كل ليلة تمرّ بأخطار مختلفة. وفي كل ليلة تصل إلى البيت مدماة محطّمة من التعب، لتعاود، بطريقة سيزيفية عمياء، العودة من الغابة، في كل ليلة.
كنت أتحدث عن أنييس التي هي أنا. ولكنني أروي لا أشرح، أشهق كما رأيت الحكواتية تفعل. أنفعل، أرفع صوتي، أخفضه، أقلد صوت الريح، أصوات الذئاب.



